الرسائل اليومية
تأمل: لا تخف من منتقد أو مقاوم!
فيلبي ١: ١٢-٣٠
من كلمات الرسول بولس في مواجهة أحكام الآخرين، أنه قال: ''وأمّا أنا فأقَلُّ شَيءٍ عِندي أنْ يُحكَمَ فيَّ مِنكُمْ، أو مِنْ يومِ بَشَرٍ. بل لَستُ أحكُمُ في نَفسي أيضًا ... ولكن الّذي يَحكُمُ فيَّ هو الرَّبُّ'' (١كورنثوس ٤: ٣، ٤). هنا بولس لا يعبأ كثيرًا بأحكام الآخرين، المتوقع منها الظلم أو الخطأ، ولا يعبأ حتى بالتاريخ وما سيسجله عنه، بل كان الأهم عنده هو حكم الرب على تصرفاته.
وأيضًا في فيلبي ١: ٢٨ يقول: "غَيرَ مُخَوَّفينَ بشَيءٍ مِنَ المُقاوِمينَ، الأمرُ الّذي هو لهُمْ بَيِّنَةٌ للهَلاكِ، وأمّا لكُمْ فللخَلاصِ، وذلكَ مِنَ اللهِ''. ربما يكون المقاومون هم سكان فيلبي الوثنيون، الذين يستخدمون الاضطهاد أو التهديد بالاضطهاد لترويع المؤمنين. في أيام بولس، كان المصارعون في الإستادات الرياضية يتصارعون حتى الموت. وعندما ينتصر أحدهم، وقبل أن يقتل منافسه، ينظر إلى الجمهور الكثير الموجود، فبإشارة معينة منهم يقتله وبأخرى يطلقه، فتكون إذًا حياة المهزوم رهن إشارة من الجمهور. لكن بولس يعلن أنه ليس رهن إشارة أحد، بل يشجعنا على أن تقييمنا ومكافأة خدمتنا ننتظرها من السيد نفسه، وأن هلاك المقاومين ونجاتنا هو أمر أكيد. لذلك، فلا نخف!
تأمل: بلا لوم
كولوسي ١: ١-٢٣
"ليُحضِرَكُمْ قِدّيسينَ وبلا لومٍ ولا شَكوَى أمامَهُ" (كولوسي ١: ٢٢).
يومًا ما وذا قريب، رغم كل المفشلات التي فينا والتي حولنا، يستطيع الرب بقدرته أن يوقفنا أمام مجده بلا عيب في الابتهاج (يهوذا ٢٤).
لكنه الآن حتى ونحن في جسد الخطية وفي العالم وحروب إبليس مستمرة ضدنا كل حين، لنا عمله الشفاعي كل حين في الأقداس، إذ هو يظهر أمام وجه الله لأجلنا (عبرانيين ٩: ٢٤). الله يرانا في المسيح بلا لوم وهذا ما تؤكده رسالة أفسس: "كما اختارَنا فيهِ قَبلَ تأسيسِ العالَمِ، لنَكونَ قِدّيسينَ وبلا لومٍ قُدّامَهُ في المَحَبَّةِ" (أفسس ١: ٤). والكلمة التي تلفت الانتباه هي "قدامه"، أي في ضوء طُهر عرشه وقداسته ونوره الفاحص، نوجد كاملين، لا لأننا فعلًا كاملين، بل لأننا نُرى في المحبوب بلا عيب ولا لوم.
كفاية عمل المسيح تُبطل كل شكاية علينا بأننا لم نعد مقبولين عند الله، سواء كانت هذه الشكاية من إبليس أو من ضمائرنا المشتكية علينا أو من كلمات المفشلة التي تأتينا من الآخرين.
تأمل: أمثلة تكريسية
فيلبي ٢: ١٢- ٣٠
بدأ الأصحاح بالرب يسوع الذي وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب (فيلبي ٢: ٨)، ثم ذكر ثلاثة أمثلة تالية تأثّرت بفكر الاتضاع والتضحية بالنفس:
بولس: رغم ما له من مواهب وتاريخ مع الرب، لكنه اعتبر نفسه مجرد "السكيب" الذي يُوضع على الذبيحة، والذبيحة هي إيمان أهل فيلبي وخدمتهم: "لكنني وإنْ كُنتُ أنسَكِبُ أيضًا علَى ذَبيحَةِ إيمانِكُمْ وخِدمَتِهِ، أُسَرُّ وأفرَحُ معكُمْ أجمَعينَ" (فيلبي ٢: ١٧). مع أن بولس هو مَن ربح أهل فيلبي للمسيح!
تيموثاوس: كان الجميع من حوله يطلبون ما هو لأنفسهم (ع ٢١)، لكنه لم يسايرهم أو يتأثر بهم، بل اتخذ طريقًا مختلفًا وهو أن يطلب ما هو ليسوع المسيح (ع ٢٠)، فكان يهتم بأحوال المؤمنين بإخلاص، آخذًا الرسول بولس قدوة في ذلك.
أبفرودتس: من إنكاره لنفسه، خاطر بحياته لخدمة الرب، حتى إنه قارب الموت (ع ٣٠). وعندما علم أن المؤمنين قد سمعوا بذلك، كان مغمومًا (ع ٢٦)، لأنه لا يريد أن يسبب لهم حزنًا أو مشغولية به. على عكس ما يحدث من الكثيرين، إذ يريدون أن يكونوا محط الاهتمام، ولا سيما في تجاربهم وأتعابهم، ويعاتبون الآخرين في حالة التقصير في حقهم بالسؤال أو بالرعاية.
حقًا يا لها من أمثلة رائعة تحمل في طياتها جوهر الفكر المسيحي، ألا وهو الخروج خارج دائرة الأنا. هذا هو فكر الاتضاع، ومن ثم التضحية بالنفس لأجل الآخر. ولا يعتبر من له هذا الفكر أن في ذلك تضحية، إذا يعتبر الآخر جزء منه!